الساسي: القيادة المتنفذة في الاشتراكي الموحد تسعى لإفراغ البيت من «الوافدين» والاقتصار على «آل البيت»

  • حاورته: زينب مركز

هذه أول مرة يتحدث فيها القيادي محمد الساسي عن مشاكل الحزب في وسيلة إعلامية، ويعتبرنا في “الأيام” شهودا على ذلك، لأننا طاردنا محمد الساسي لشهور طويلة للحديث عما يمور به الفرن الداخلي للحزب الاشتراكي الموحد “طَلَبَتْ مني عشرات المنابر الإدلاء برأيي حول ما يقع في الاشتراكي الموحد -يؤكد الساسي- ولكنني فرضت على نفسي الصمت”.

في هذا البوح، يقول الساسي برؤية عميقة وتحليل -مهما اختلفت معه فإنك تحترمه-، كل شيء عما يحدث داخل الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي.

 هل هي لحظة الطلاق بينكم وبين منيب والحزب الاشتراكي الموحد؟

إذا كان هناك طلاق فهو طلاق رجعي وليس طلاقاً بائناً.

 كيف ذلك؟

حين سحبت الرفيقة نبيلة منيب توقيعها من التصريح المشترك القاضي بالتقدم للانتخابات بشكل جماعي كفيدرالية برمز الرسالة، وضعت مناضلي الحزب أمام خيارين أحلاهما مرّ:

إما خيار الاستمرار في المسار الوحدوي الذي بدأ منذ 20 سنة، في محاولة لتجميع شتات اليسار غير المشارك في الحكومات، عبر لقاءات التسعينات ولقاء بوزنيقة في 2000 واندماج 2002، وتأسيس تجمع اليسار الديمقراطي، واندماج 2005… إلخ. حيث كان الهدف هو الوصول إلى حزب يساري فاعل وقادر على سد الفراغ الناجم عن انسحاب أحزاب اليسار التقليدي، عملياً، من ساحة النضال من أجل التغيير وانخراطها في مسلسل التدبير.

تَأَسَّسَ تحالف الطليعة والمؤتمر والاشتراكي الموحد، ثم تحالف اليسار الديمقراطي وصولاً إلى فيدرالية اليسار الديمقراطي، وتَقَدَّمْنَا نحو صيغة هي أقل من الاندماج ولكنها أكبر من تحالف أحزاب أو اتحاد أحزاب. اقتطعنا من الصلاحيات «السيادية» لكل حزب قضايا أساسية (القضية الوطنية – الدستور – الانتخابات) وأصبح البت فيها موكولاً لأجهزة الفيدرالية وليس لأجهزة كل حزب من الأحزاب المشكلة للفيدرالية. وأصبحنا نتقدم جماعيا للانتخابات برمز موحد وبلوائح مشتركة، ولم تعد لنا كحزب، في هذا المجال، الاستقلالية التقليدية التي يتمتع بها حزب غير منخرط في الفيدرالية.

وإما خيار الانسحاب من هذا المسلسل الوحدوي، وهو المسلسل الذي زكته كافة مؤتمراتنا كحزب. خطوة الرفيقة منيب تطلب منا الرجوع إلى الوراء ونقض تعاقداتنا واتفاقاتنا، والتصرف كما لو أننا لم نعقد أي مؤتمر ولم نتوصل إلى أية اتفاقات ولم نضع أية أطر مرجعية للاسترشاد بها في عملنا.

أمام هذا الوضع، اخترنا (كيسار وحدوي) مواصلة دعم المنحى الوحدوي والوفاء بالتزاماتنا، والرفيقة نبيلة منيب انشقت عن هذا المنحى لاعتبارات ما.

اخترنا الاستمرار في المسار الوحدوي، كجزء من أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد، ومع ذلك أقول إنه طلاق رجعي، لأن الباب يظل مفتوحاً لالتحاق بقية مناضلي الحزب بهذا المسار وسنكون سعداء بذلك.

إذن نحن لم ننشق، بل الرفيقة منيب هي التي انشقت عن مسار وحدوي قرره المؤتمر، ونحن واصلنا الانخراط في هذا المسار ورفضنا هذا الانشقاق.

– لكن الطرف الآخر يقول إنه قرار جماعي لا قرار نبيلة منيب كما تقولون؟

لو أن الرفيقة منيب جمعت المؤتمر الوطني وقرر هذا الأخير الانسحاب من هذا المسلسل لكان لذلك نوع من المشروعية. أما أن تتخذ الأمينة العامة القرار، وتنفذه بدون مؤتمر ولا حتى مجلس وطني، وتعتبر كل من لم ينفذ القرار، خارجاً عن الحزب، فإنها تكون قد حاولت فرض أمر واقع. ولا معنى، بعد ذلك، لجمع المجلس الوطني بعد أن اتخذ القرار ونُفِّذَ، إذ المادة 120 من النظام الداخلي للحزب الاشتراكي الموحد تنص على ما يلي: «يُتَّخَذُ قرار الانسحاب من التحالف الحزبي في دورة عادية أو استثنائية للمجلس الوطني»، ولم تنص على جواز اتخاذ القرار من طرف الأمينة العامة أو المكتب السياسي.

تركنا مناضلين حقيقيين كثر، بَذَلَ العديد منهم جهوداً كبيرة ومضنية لتجنب هذه الحالة التي وصلنا إليها، لكن في لحظة الحسم هناك من اختار الانحياز للشخص، ونحن اخترنا الانحياز للفكرة. الشخص لا يدوم ولكن الفكرة يمكن أن تدوم.

 كيف وصلت الأمور بينكم إلى حد القطيعة، لدرجة أن سحب نبيلة منيب لترشيح حزبها من الفيدرالية لم يكن إلا النقطة التي أفاضت الكأس؟

هذه أول مرة أتحدث فيها عن مشاكل الحزب في وسيلة إعلامية، وأنتم شهود على ذلك. طَلَبَتْ مني عشرات المنابر الإدلاء برأيي حول ما يقع في الاشتراكي الموحد ولكنني فرضت على نفسي الصمت، وكذلك الرفيق محمد مجاهد، إزاء ما جرى خلال السنوت الثلاث الأخيرة، بينما الرفاق الآخرون (نبيلة منيب – أحمد الخمسي – جمال العسري… إلخ) مارسوا حريتهم في الكلام بالطول وبالعرض، وملأت الرفيقة نبيلة منيب الساحة الإعلامية، ووجهت من الاتهامات ما شاءت ولم نَرُدَّ عليها، حتى يتأتى لنا إمكان إصلاح أوضاع الحزب بهدوء ورَوِيَّةٍ وحكمة. وهناك من اعتبر صمتنا ضعفاً فقام بتصعيد لهجته، ولم تعد لدى البعض أية فرامل في الكلام.

ما الذي حدث بالضبط، بكل صدق؟

> تشاء الأقدار وأنت تسألينني عما حدث أن تكون الحكاية قد بدأت من هنا. من جريدة «الأيام»، هل تتذكرين الاستجواب الذي أجريتموه مع الرفيقة نبيلة منيب أواخر عام 2019؟

 بالطبع، كان حوارا مطولا نشرناه على حلقتين في «الأيام»..

> كان الجو في الحزب، نسبيًا، هادئًا. ومع ذلك نستشف من خلال أجوبة الرفيقة نبيلة أن هناك أزمة، ولم يقل أحد قبل ذلك أن هناك أزمة، والأزمة تدور حول شخص نبيلة: أنها مستهدفة ومظلومة ومحط مضايقات وهناك من يحاربها، أي أن هناك جهة أو جهات ما، مسؤولة عن هذه الأزمة.

نبيلة منيب هي أول مسؤول حزبي ينشر الغسيل الداخلي للحزب في المنابر أمام اندهاش الجميع وتساؤل الكثير من قادة الحزب عن حقيقة ما يجري، وطبيعة المضايقات والمؤامرات التي تتعرض لها رفيقتنا الأمينة العامة.

في استجواب «الأيام» الذي أجريته أنت شخصيا، هناك خطاب موجه إلى الرأي العام، وإلى المناضلين على وجه الخصوص، مفاده أن الحزب، من خلال أمينته العامة يواجه مؤامرة، وبالتالي يجب تهميش القضايا الأخرى والتصدي الجماعي للمؤامرة، وتعليق النقاش حول قضايا الاندماج والمؤتمر الخامس، والالتفاف حول نبيلة منيب كرمز للحزب وكقائدة لمشروع يتعين حمايته من المؤامرات، وأن واجب كل مناضل هو الدفاع عن الحزب، بواسطة الدفاع عن أمينته العامة، ومن ثمة رُفِعَ شعار (الحزب أولاً) ونبيلة منيب «الممثل الشرعي والوحيد» و»نبيلة ولا أحد غيرها»، كما لو أن هناك من ينازعها شرعية الأمانة العامة.

حاولت الرفيقة منيب، بذكاء وإحكام، خلق حَمِيَّةٍ حزبية بدعوى أن الحزب مُسْتَهْدَفٌ ومُخْتَرَقٌ، من الداخل، وأن لا اندماج ولا مؤتمر قبل تصفية فلول المؤامرة والقضاء عليهم، أي أننا لم نعد بحاجة إلى الاندماج أو المؤتمر قبل التخلص من المتآمرين. وتبعاً لذلك علينا الإبقاء على حالة حزبية غامضة لا أفق لها، وعلى الجميع أن يتناسى أي شيء باستثناء موضوع المؤامرة !

 ولكن من هم المتآمرون؟

> في الفصل الأول من المسلسل، قالت منيب في استجواب «الأيام» إنها ترفض أن يقود المرحلة أو المشروع اليساري «الأشخاص المخربون أو المفرقون أو الذين يخلقون القبلية».

 ومن كانت تقصد بذلك في تقديركم؟ 

> كانت تقصد بوضوح محمد مجاهد. ويظهر ذلك، بصورة أوضح، في فيديوهات تُلَمِّحُ إلى الذين سحبوا توقيعاتهم من أرضية «الأفق الجديد» وتنعتهم بأقبح الأوصاف. وتؤكد «إما أننا نريد أن نهمش قيادة لها دور وتنتج بالنسبة لهذا المشروع كي تصعد قيادة أخرى»، انطلاقا من تصور، ربما، أن مجاهد يريد ـ عبر بوابة الاندماج – العودة إلى تحمل مسؤولية القيادة.

وفي الفصل الثاني، أصبح الخصم هو عمر بلافريج، فقدمته على أساس أنه شخص «اخترق» الحزب لتحويله إلى حزب «ضْرِيِّفْ» و»مبرد السوق» ومشارك في الحكومة، ولتصفية التوجه الجذري في الحزب، بعد أن «صعد على ظهر نبيلة» وأصبحت له نجومية وركب رأسه و»أراد أن ينافسها». وهنا تَمَّ جَرُّ الحزب إلى تقاطب حاد بين أصدقاء نبيلة وأصدقاء عمر. حينها وضعت في بروفايل الواتساب الخاص بي صورة تجمع نبيلة وعمر، كنت أريد حزبا يحتضنهما معا ويتعاونان فيه معًا، فنحن في حاجة إلى كل منهما. ومع ذلك عبرت لرفيقي عمر عن اختلافي معه في قضية السؤال الكتابي الموجه إلى رئيس الحكومة حول خطاب المؤامرة الخاص بكورونا.

في الفصل الثالث، أصبح الخصم هو المؤتمر الوطني الاتحادي وأمينه العام عبد السلام العزيز. ومباشرة بعد إلقائي لعرض في ندوة عقدها حزب المؤتمر، شُرِعَ في توقيع عريضة تطالب بمعاقبة شباب كانوا ينوون توجيه رسالة لي لاقتناعهم بما جاء في العرض واقتراحهم توسيع النقاش في النقاط الواردة فيه، وصرفوا النظر عن ذلك بعد أن طلبت منهم توقيف التوقيعات على الرسالة وسحبها تماماً. العريضة العجيبة والغريبة تعتبر إرسال رسالة إلى رفيق جريمة لأنها «تمت خارج المؤسسات»؟ وتحاول الإيحاء، ضمنا، أن هناك مخططا بين طرف حزبي «الساسي» وحزب آخر «المؤتمر الوطني الاتحادي» لتهميش الحزب الاشتراكي الموحد والبحث عن بديل لنبيلة، وتَمَّ ابتداع جريمة تشبه جريمة «التخابر مع بلد أجنبي» هي جريمة «التخابر مع حزب آخر»، كأنه عدو وليس حليفاً.

والحال أن الأرضية المعتمدة في حزبنا تدعو إلى التعامل مع مناضلي الحزبين الآخرين كما لو كنا جميعاً حزباً واحداً، لأننا نحن الثلاثة نلتئم في إطار صيغة هي أكبر من اتحاد أحزاب.

أما في الفصل الرابع، فقد تَمَّ اعتبار أن السبب في التوتر الذي يعرفه الحزب هو محاولة تأسيس تيار اليسار الوحدوي. ولأول مرة يجري إصدار حكم إدانة قاسٍ في حق تيار لم ينشأ بعد، ويُقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر ويُقَدَّم للناس على أنه أصل المشاكل ومصدر كل المحن.

 لكن خلف هذا، من كان أصل المشكلة؟ من هو العدو المتحدث عنه؟

> نحن بدورنا لم نعد نعرف هل المشكلة هي مجاهد، أم عمر، أم العزيز، أم التيار الجديد الذي لم يتأسس بعد؟

ففي كل مرة يتم اختلاق «عدو»، ويُطلب من المناضلين تصديق مقولة أنه السبب في الأزمة والرأس المدبر للمؤامرة. وللإشارة، فإن الرفيق مصطفى بن الصباحية، المنسق الوطني لتيار اليسار المواطن والمناصفة، دعا علانية وبمجموعات الحزب، الرفاق المختلفين مع القيادة في الرأي إلى مغادرة الحزب والعودة إلى الإطارات التي جاؤوا منها وتخليص الحزب من وجع الرأس. دعوة المنسق الوطني، مَثَّلَتْ واحدة من الكثير من الدعوات المطالبة برحيل الذين لديهم رأي مخالف لرأي القيادة أو تقديم استقالتهم.

ومن المؤلم أن رفيقاً من القيادة (أحمد السباعي) هو الوحيد الذي سارع إلى استنكار ما كتبه منسق تيار اليسار المواطن. وتدوينة المنسق لا تحتاج إلى أي تحليل فهي كاشفة لكل شيء.

المشكل اليوم في الحزب الاشتراكي الموحد، هو أن جزءاً مهما من القيادة المتنفذة أصبح يسعى لإفراغ البيت من «الوافدين» والاقتصار على «أهل البيت». وفي كل مرة يتغير اسم (المُخَرِّب) ولكن الذي لا يتغير هو الرغبة في التخلص منهم جميعاً، ما لم يدخلوا بيت الطاعة ويكتفوا بالتأييد والتبريك.

ثم تأتي الرفيقة نبيلة منيب لتحاول تقديم تفسيرات أخرى لما يجري في الحزب، فتقول، مثلاً: إن الحرب ضدها نابعة ممن تغلبت لديهم نزعة الذكورة أو من أعداء النجاح أو من شيوخ تجاوزهم الزمن، وإذا كان الأمر كذلك، كيف نفهم صراعها الضاري مع الكاتبة الوطنية لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية الرفيقة زينب إحسان ومع الرفيقة ندى الحريف، والرفيقة نرجس بنعزو المنسقة الوطنية للقطاع «الصحي» في الحزب، وَهُنَّ نساء؟ وكيف نفهم صراعها مع الرفيق عمر بلافريج مع كل ما حققه هذا الأخير من نجاحات، وكيف نفهم صراعها مع محمد مجاهد وهي أكبر منه سناً !

 أعود بك إلى قضية إلحاح أعضاء من المكتب السياسي على أن سحب نبيلة منيب لترشيح حزبكم، باسم فيدرالية اليسار، كان من المكتب السياسي وليس قراراً فردياً لمنيب، وأنتم ممثلون في المكتب السياسي بأعضاء وازنين، ألم تحضروا أو تُستدعوا لهذا الاجتماع؟

> أثارني تعبير «أنتم ممثلون» داخل المكتب السياسي. هذا المكتب انْتُخِبَ قبل أن نطرح أرضيتنا لتأسيس التيار، ولم تكن هناك «محاصصة» بيننا وبين الآخرين ولا ندعو لذلك.

لكن، ما قُلْتِهِ صحيح. فأغلب أعضاء المكتب السياسي وافقوا على اقتراح الرفيقة نبيلة منيب، والبعض رفض، والبعض الآخر طالب بالتزام التريث قبل اتخاذ القرار، ولم يتم اللجوء إلى التصويت، علماً بأن بيان الحزبين الحليفين (المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي) أشار إلى أن القرار هو قرار نبيلة منيب والمكتب السياسي.

المبادرة جاءت من الأمينة العامة وسايرها أغلب أعضاء المكتب السياسي، لكن الأمر كان مرتبا من قبل، لأن بعض المرشحين أعلنوا ترشيحهم في مجموعات الحزب، باسم الشمعة، حتى قبل طرح الموضوع داخل المكتب السياسي، فلم يكن هناك أدنى اهتمام بالحفاظ على ماء وجه هذا المكتب نفسه.

وعلى كل، فالمادة 65 من النظام الداخلي للحزب تنص على ما يلي: «يتحمل المكتب السياسي مسؤولية إدارة وتدبير الشأن الحزبي، بكل مستوياته، استنادًا إلى مقررات المؤتمر وتوجيهات المجلس الوطني».

لقد نجحت الرفيقة منيب، فعلاً، في تمرير هذا القرار في المكتب السياسي، لكن هل تظنين أنها كانت ستصادف نفس النجاح لو طرحت الأمر على المجلس الوطني؟ رغم أن القانون الداخلي يفرض عليها ذلك؟

والسبب الذي دعا إلى عدم عقد المجلس الوطني، للبت في الأمر واضح، وهو عدم الاطمئنان إلى وجود إمكانية لتوفير أغلبية مساندة للقرار.

لقد أفادنا تاريخ العمل السياسي أن القيادات التنفيذية عندما تعجز عن تمرير ما يلائمها بواسطة الأطر المؤسسية الشرعية، فإنها تلجأ إلى فرض الأمر الواقع بقرار من أعلى، مادامت تمسك مفاتيح الحزب، على أمل مغادرة المعارضين للحزب وبقاء المؤيدين ولو كانوا قلة من المناضلين. إن القيادة تفضل وجود مناضلين أقل على وجود عدد وافر من الأعضاء يُمَثِّلُ بينهم معارضوها وزناً كبيراً، فتستبق بدفع المعارضين إلى «الخارج» قبل المؤتمر حتى لا تصدمها بعض المفاجآت غير السعيدة.

وقد سجلت أرضية اليسار الوحدوي تصاعد الدعوات إلى رحيل أو استقالة المعارضين لرأي القيادة، وهذه الظاهرة لمسناها قبل سحب التوقيع على تصريح الترشيح المشترك برمز الرسالة. وتلك الدعوات تؤكد الخشية من بروز «معارضة» مزعجة قد تنجح في تشكيل قوة تفرض على القيادة الخروج من حالة الغموض وتدفع في اتجاه الحسم إما بالذهاب إلى الاندماج أو الذهاب إلى المؤتمر الخامس. اليسار الوحدوي لا يريد الاندماج القسري بل يريد الوضوح فقط، وهناك من له مصلحة في تمديد حالة الغموض، أي حالة (لا اندماج – لا مؤتمر خامس).

هناك دائماً، داخل الأحزاب، حرب من أجل البقاء، وعندما تقوم هناك صعوبات في استعمال الوسائل الشرعية للانتصار في هذه الحرب، يتم اللجوء إلى استعمال كل الوسائل. واليوم، في الحزب الاشتراكي الموحد، لم يعد، هناك مع كل أسف، أي حرص على احترام «الشكليات». الحرب استعرت، ولهذا لم يعد الوقت، في نظر الطرف

الآخر المؤيد للقيادة، وقتًا لاحترام المساطر والأنظمة.

 يرى رفاق نبيلة منيب أنه كانت ستجري قرصنة للحزب من طرفكم وبمباركة من مكوني فيدرالية اليسار…

> بعد وضعنا لأرضية تأسيس التيار، كنا ننتظر من أمينتنا العامة ورفاقنا في المكتب السياسي، أن يعتبروا ذلك حدثاً تنظيمياً عاديًا، وأن يتعاملوا معه بروح ديمقراطية، خاصة أن أصدقاء الرفيق حميد مجدي وضعوا أيضا أرضية لكي يصادق عليها المجلس الوطني في نفس دورته المقبلة وبذلك يتحولون إلى تيار، وتعامل معهم الجميع بروح «رياضية».

إذن المشكل ليس في مضمون أرضية (اليسار الوحدوي) بل في وجود موقف مسبق من الأشخاص الذين كانوا خلف المبادرة. ليس هناك خوف على الحزب وعلى وحدته بل هناك خوف من إمكان فقدان القيادة الحالية لأغلبيتها مستقبلاً «في مؤتمر حزبي».

لم يسبق في تاريخ الحزب الاشتراكي الموحد أن تعرضت فكرة التيار لهذا الحجم من الهجوم، فاعتُبِرَت بأنها عمل انشقاقي وتم الاشتباه في نوايا أصحابها، في وقت يُمثل فيه وجود التيار حلاً جيدًا لتدبير الاختلاف، إذا ظهر في محطة من المحطات كما هو حاصل اليوم، لكن «الحل» عندنا تَحَوَّلَ إلى مشكلة.

فإذا أردنا البقاء في نفس الحزب، وأصبح لنا خلاف مع القيادة، فكيف نعبر عن رأينا جماعيًا، ونحاول تقوية التيار المساند لهذا الرأي بالوسائل المشروعة داخل الحزب، ما دامت هناك تيارات أخرى تعبر عن رأيها وتحاول حشد الناس حوله؟ هناك رفاق يدافعون عن رأيهم من خلال تيار، ورفاق يُفرض عليهم أن يستمروا في الدفاع عن رأيهم كأفراد فقط. هذا صراع غير متكافئ.

نحن اتخذنا خطوات تأسيس تيار، لأننا لا نريد أن نبقى قسرًا في ظل أغلبية مساندة للقيادة، سواء أخطأت أو أصابت، ولو تحولت إلى «أغلبية مفككة»؛ ولكن المهم، عند البعض، هو أن يُضمن له العدد الذي يُمَكِّنُهُ من البقاء دائمًا حيث هو.

وقد وُجِّهَتْ إلى «اليسار الوحدوي» عدة انتقادات:

1- محاولة قرصنة الحزب.

2-  اختيار توقيت غير ملائم للظهور (الانتخابات).

3- ليس لديه أي مشروع للمستقبل.

4- أنه واجهة للسباب والشتائم.

من المؤلم، والمضحك في الآن نفسه، أن تقول أمينة عامة لحزب ينص نظامه الأساسي على الحق في وجود التيارات، إن طرح فكرة تيار اليسار الوحدوي تهدف إلى قرصنة الحزب، فكأن رئيس حكومة، مثلاً، يقول – في بلد ديمقراطي – إن قرار هذا الحزب أو ذاك بالتقدم إلى الانتخابات يُرَادُ منه قرصنة البرلمان أو مؤسسات الدولة.

لا يمكن الحديث عن قرصنة إلا إذا استُعملت وسائل غير مشروعة، والتيار هو وسيلة مشروعة في التباري الحزبي الداخلي لصنع أغلبية جديدة وتولي مهمة تسيير الحزب، علمًا بأننا لم نضع أصلاً لأنفسنا هذا الهدف، لأننا في وضعية حزبية مؤقتة والمفروض أن ننتقل إلى الاندماج.

إذا وُضِعَتْ أرضية وصَوَّتَ عليها المؤتمرون، في لحظة المؤتمر، فهذه ليست قرصنة للحزب، وإلا فالحزب يجب أن يُسَجَّلَ في الملكية الدائمة لفريق واحد يصنع به ما يشاء !

والرفاق الآخرون الذين طرحوا أرضيتهم لتكوين تيار (التغيير الديمقراطي) لم يتعرضوا لأي اتهام وأحس الجميع بأن تيارهم مُرَحَّبُ به.

 

لماذا في تقديرك؟ 

> لأنهم، بكل بساطة يساندون القيادة، أما نحن فما علينا إلا الارتكان إلى الصمت ودعم القيادة ومساندتها دائمًا، أما إذا أسست تيارًا نقديا فأنت تريد قرصنة الحزب !

الواقع أن هناك خوفًا من الديمقراطية، إذ ما الذي كان يمنع معارضي «اليسار الوحدوي» من التكتل في تيار مقابل وهزمه بالصناديق، خلال مؤتمر وطني، عوض كيل الاتهامات المسبقة التي تَنِمُّ، في العمق، عن عدم إيمان بفكرة التيارات أصلاً.

وكيف نقرصن الحزب، ونحن ندعو إلى عرض سياسي جديد وحزب جديد. وأرضية «اليسار الوحدوي» تطرح على القيادة الحسم في أحد الخيارين، إما الاندماج أو عقد مؤتمر الحزب، ولكننا، بطبيعة الحال، نُغَلِّبُ خيار الاندماج ونرى إمكان تحقيقه في الأمد المنظور، ونعتبر أن تعطيل المشروع لا علاقة له بـ»إنضاج الشروط»، بل بأشياء أخرى.

في ما يتعلق بالتوقيت، قد يُطرح تساؤل مشروع حول لماذا لم يتم تأجيل تكوين التيار إلى ما بعد الانتخابات: الجواب هو أننا وجدنا أن هناك حاجة قبل الانتخابات لخلق جو من «المصالحة الداخلية»، واعتبرنا أن وجود التيار يمكن أن يكون وسيلة عملية لتحقيق هذه المصالحة، وبناء عليه طلبنا، في الأرضية، بخوض تمرين الاعتذار الجماعي، وطي صفحة الماضي، والتفرغ لتحضير الانتخابات كأولوية. وإذا كانت هناك التزامات بتحسين الأجواء الداخلية يتكلف كل تيار بـ»ضبط» أعضائه و إلزامهم باحترامها.

أما عن غياب مشروع للمستقبل، في أرضية التيار، فإن هذه الأرضية تنطلق، في شق التوجهات، من ضرورة إعادة الاعتبار لمضامين أرضية «الأفق الجديد»، وتؤكد عليها وتطالب بتطبيق تلك المضامين، ولا تضيف جديدًا مخالفا لروحها، فإذا كانت أرضية اليسار الوحدوي تفتقد إلى المشروع المستقبلي فمعناه أن أرضية «الأفق الجديد»، التي اعتمدها المؤتمر، تفتقد أيضًا إلى هذا المشروع، فلماذا وقعت عليها الأمينة العامة وصوتت عليها الأغلبية الساحقة للمؤتمرين والتزمت القيادة المنبثقة عن المؤتمر، مبدئيًا، بتطبيقها.

إن مشروعنا المستقبلي كحزب اشتراكي موحد، واضح، وهو يقوم على دعامتين: إعداد عرض سياسي جديد لبلادنا، والنضال في اتجاه خلق شروط الانتقال الديمقراطي.

أما بصدد اتهام التيار بكونه واجهة للسباب والشتائم، فإن ذلك يعكس وجود عقلية محافظة تعتبر النقد سبًّا وكنت أتمنى لو أوردوا جملة واحدة من نص الأرضية تحمل سبًا أو شتما.

وأريد، بهذا الخصوص، في ختام هذا الاستجواب أن أحيلكم على ما جاء في الصفحة 16 من أرضية اليسار الوحدوي، فبعد استعراض المظاهر السلبية التي تغشى حياة حزبنا وتحليلنا لبعض أخطاء قيادتنا وأمينتنا العامة نَخْلُصُ إلى ما يلي:

«ورغم كل ذلك، فإننا كموقعين على هذه الورقة، قَدَّرْنَا، في حينه، كل المجهودات الكبيرة التي قامت بها رفيقتنا نبيلة منيب ودورها الفعال في التعريف بالحزب وتوسيع دائرة إشعاعه، وجرأة خطابها وتحركاتها اليومية وتنقلاتها وجولاتها التي شملت مختلف مناطق البلاد وحضورها الإعلامي المتواصل.

لقد أكسبها ذلك محبة المناضلين لها وعطفهم عليها. لكن، مع توالي الأيام أصبحنا أمام مشكلة التوفيق بين مشاعر المحبة والتقدير وتثمين جهودها، من جهة، وبين حقنا في محاسبتها ونقدها، باحترام ورفاقية، ومساعدتها على عدم هدر الرصيد الذي وَفَّرَتْهُ لنفسها كقائدة لحزب يساري تقدمي واشتراكي عصري، من جهة أخرى».

وهذه المشكلة نطرحها اليوم ليس باعتبارها مشكلة لنبيلة منيب، بل هي مشكلتنا نحن ويمكن أن نلخصها في السؤال التالي: كيف نتجنب تصاعد هذه النزعات المنبعثة من داخلنا، والتي أصبحت تضعنا على مشارف ترسيم عبادة الشخصية، وتحويل القائد الحزبي النشط والمحبوب إلى شخص مقدس وتحويل من ينتقده إلى مدنس؟

إن هدفنا، في التيار الجديد، ليس هو النيل من سمعة أحد رفاقنا أو رفيقاتنا، أو تبخيس مجهوداته أو التحامل المجاني عليه أو البحث عن وسائل إزاحته بطرق غير مشروعة أو العمل على حرمانه من الحقوق التي تكفلها له قوانين الحزب أو اعتباره المسؤول الوحيد عن كل الخطايا والأخطاء التي تشهدها حياتنا الحزبية. إن هدفنا هو المحافظة الدائمة على سلوك الجمع بين تقدير المجهودات الإيجابية ونقد الأخطاء، إن وُجِدَتْ، والاعتراف بأنه ليس بيننا من هو معصوم من الخطأ أو من لم يرتكب أي خطأ. وفي تمسكنا بذلك السلوك، فإننا نقدم واحدة من أثمن الخدمات لحزبنا ولرفيقتنا الأمينة العامة».

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق