المغربي الذي طور دواء الزهايمر والباركينسون: صدمني المسؤولون المغاربة بهذا القرار

في التقرير الذي قدمه، قبل أيام قليلة، السيد شكيب بنموسى أمام الملك، والمتعلق بالنموذج التنموي الجديد الذي يعتبر خارطة طريق الحكومات المقبلة لرسم معالم المستقبل، طفت الكثير من الأسئلة على السطح: هل يمكن أن ننجح في تنزيل هذا المخطط الجديد بنفس النخب والكفاءات التي دبرت المرحلة السابقة؟ أم أننا في حاجة إلى عقليات جديدة لتحقيق نتائج مختلفة بعيدا عن عثرات الماضي وكبواته؟

 

في هذا الصدد، نستحضر ما نشرناه في أسبوعية “الأيام” لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، من تقرير تستشرف فيه معالم عالم 2035، ويمكن أن نقرأ في أحد أقوى فقراته ما يلي: “…الأزمات سوف تكون مسبوقة بمرحلة نمو وازدهار، وسوف يكون هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مختلف المناطق. وبعد انهيار سوق الشغل، ستمثل الاختراعات التكنولوجية ورقة رابحة لإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي. وسنشهد ولادة عالم جديد، يتحد فيه الإنسان مع الآلة. وفي المقابل، لن تنجح كل الدول في تخطي هذه المرحلة، وحدها الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء أدمغتها داخل أراضيها، ستنجح في ذلك”.

 

مربط الفرس في ما استنبطناه من التقرير الاستشرافي لـ CIA، هو المتعلق بأن “الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء أدمغتها داخل أراضيها هي التي ستنجح”.

 

ولذلك قررنا أن نستمع لعدد من الأدمغة المغربية التي هاجرت إلى الخارج حيث تصنع التألق في كبريات الجامعات والمختبرات العالمية، وهم يتحدثون لـ”الأيام” عن شروط الرجوع إلى وطنهم، حيث أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو رغبتهم الأكيدة في العودة إلى الوطن، لكن في أي بيئة؟ وبأية أهداف؟ وبأي طموح؟ وفي أي سياق؟

 

عبد الواحد الصمدي المغربي الذي طور دواء الزهايمر والباركينسون: صدمني المسؤولون المغاربة بهذا القرار

 

في العام 1972 ولد عبد الواحد الصمدي في قرية صغيرة أقصى شمال المغرب، وعانى وهو صغير على غرار باقي أبناء قريته من بعد المسافة بين منزل أسرته والمدرسة، حيث كان يقطع الكيلومترات مشيا على الأقدام للتحصيل العلمي، لكن لا شيء وقف في طريقه، بعدما توج مساره الدراسي الحافل الذي أكمله في إسبانيا بالحصول على دكتوراه في الصيدلة، من جامعة فالنسيا، ليبدأ مسارا مهنيا حافلا في مجموعة من المختبرات في كل من إيطاليا وإسبانيا.

 

نقطة التحول في حياة عبد الواحد الصمدي كانت أنه عندما أصيب والده بمرض «الزهايمر والباركينسون»، فبعدها كرس كل حياته لإيجاد دواء لهذا الداء الذي كان في السابق لا ينفع معه علاج، فكان له ما أراد، غير أن اختراعه الذي شكل نقطة فاصلة في مجال صناعة الأدوية، جاء متأخرا قليلا، حيث أن والده فارق الحياة، لكن دواءه ذاك كان حلا سحريا لشفاء آخرين.

 

يحكي الدكتور عبد الواحد الصمدي عن مساره المثير لـ «الأيام» قائلا: «…عندما وجدت مختبرا لصناعة الأدوية في إسبانيا، بدا الأمر وكأنني وجدت شيئا كان قد ضاع مني، بحكم أن والدي كان مريضا بالباركينسون. كنت أشعر أن على عاتقي حمل ثقيل وهو أن أتوصل إلى دواء يعالج والدي المريض، فشكل لي اشتغالي في مختبر للزهايمر والباركينسون أملا كبيرا في أن أكتشف دواء لهذا المرض. وبعد سنتين حصلت على أول براءة اختراع لدواء لعلاج مرضي الزهايمر والباركينسون في نفس الوقت، ففي بعض الحالات نجد شخصا مصابا بالمرضين معا، لأن بينهما تداخلا على مستوى خلايا الدماغ، وكان هدفي أن أخترع دواء يعالجهما في نفس الوقت».

 

ويتابع: «كنت أشتغل في المختبر أكثر من الجميع، إلى درجة أنني يمكن أن أبقى داخل المختبر إلى حدود الساعة الثانية عشرة ليلا، وأشعر أن الوقت غير كاف، لأنني عندما أعود من مدريد إلى طنجة وأجد والدي مصابا بهذا المرض أقول إنه علي أن أسرع في اكتشاف دواء لعلاج والدي، فلو كان في اليوم 48 ساعة لاشتغلتها كلها، كنت حقا أسارع الزمن، لأن صحة والدي كانت في تدهور مستمر، بينما أنا لم أتوصل بعد لأي اكتشاف حينها، ولذلك كنت أعاني بشكل كبير».

 

ويسترسل: «بذلت مجهودا كبيرا، لكن والدي توفي قبل أن أصل لهذه النتائج، فأصبت بخيبة أمل كبيرة، واعتقدت أنني لم أصل للاكتشاف في الوقت المناسب، غير أن مجهوداتي لازالت قائمة، ورغبتي في أن أحصل على نتائج أفضل مازالت مستمرة. كل شيء عند الله سبحانه وتعالى بأجل، فرغم وفاة والدي فهناك أشخاص آخرون مصابون بهذا المرض يمكن أن يستفيدوا من الدواء».

 

بعد هذا الاختراع ستقرر الدولة الإسبانية أن تمنحه جنسيتها، وبخصوص ذلك يقول الدكتور عبد الواحد الصمدي: «… خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسبانية ووقف أمام وسائل الإعلام معلنا منحي الجنسية، بعدما صادق البرلمان على هذا القرار، حيث قال بالحرف:… اليوم صوتت الحكومة على منح الجنسية الإسبانية للدكتور عبد الواحد الصمدي من دوار بني خلاد، نظرا لأبحاثه وأعماله…».

 

ويشتغل هذا الدكتور المغربي حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكل أمله أن يعود للعمل في المغرب، وقد حاول ذلك سابقا، لكنه واجه الكثير من العوائق التي يصفها بغير المنطقية: «… هناك الكثير مما يقال في هذا الجانب، فقد جالست مسؤولين كبارا ووزراء في المغرب في سعينا لعودة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، على غرار الكيفية التي استفادت بها باقي الدول من كفاءاتها، وكمثال على ذلك إسبانيا التي استرجعت في وقت من الأوقات كفاءاتها في أمريكا وألمانيا وباقي الدول، بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي واستفادتها منهم، فكان من المنطقي بالنسبة إلى المغرب أن يقوم هو أيضا باستقطاب أبنائه في الخارج من الكفاءات».

 

ويتابع كلامه في هذا الصدد: «أليس من المنطقي أن نقوم اليوم باستقطاب الدكتور المغربي الكبير رشيد اليزمي، وهو ما شاء الله من أكبر المخترعين في العالم في ما يتعلق ببطاريات الليثيوم، وكيف لا نستقطب الدكتور علال بوتجنكوت الذي يعيش اليوم في أمريكا، وكيف لا نستقطب الدكتور رشيد عمروش، واللائحة طويلة… في سنة 2012 حضرت لقاء بخصوص الكفاءات المغربية في العالم، وأنا كنت من بينهم، فكان هدف المسؤولين المغاربة أن يستفيدوا من هؤلاء الكفاءات شريطة أن يبقوا بالخارج، حيث تدخل وزير وقال إننا نريد من هذه الكفاءات أن يكونوا مثل بطارية يتم شحنهم في الخارج وتفريغهم في المغرب، كان هدفه فقط أن يتم استقطاب الدكاترة المغاربة بالخارج للتدريس في الجامعات المغربية لمدة 3 أشهر في السنة ثم العودة مجددا لبلدان إقامتهم في أوروبا».

 

ويختم كلامه: «في مقابل ذلك قمت أنا بتدخل وقلت إنه باعتبارنا كفاءات مغربية في الخارج، فنحن نريد أن نخدم بلدنا من الداخل. فهناك دكاترة مغاربة قرروا العودة إلى الاشتغال في المغرب لكن ليس بالطريقة التي كنا نريدها نحن، نحن نطلب أن نتمتع بنفس المكانة التي نتوفر عليها في الخارج، ولا نريد أن نبدأ من الصفر هنا في المغرب، والمشكل هو أنه ليس لدينا قانون ينظم هذه الأمور بالنسبة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. لكن نحن في الحقيقة نختار المكان الذي يحتضننا ويقدرنا، وندرس في الجامعات التي تهتم بنا».

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق