استرجاع المناطق العازلة

إن العداوة ليست في قاموس المغرب، وحتى الذين باعوا أنفسهم في السبعينيات للقذافي وبومدين ظل باب الوطن مفتوحا لهم، بل إن قائد القوات العسكرية للبوليساريو الذي قاد الحروب كلها ضد المغرب لمدة 16 سنة أيوب الحبيب موجود في الرباط معززا مكرما وغيره كثيرون، لأن المغرب لا يمكن أن يفرط في أرضه، ولكنه أيضا لن يفرط أبداً في أبنائه. هذه هي الطريق التي أعرف أن بلادنا لم تحد عنها منذ استقلالنا، لدرجة أننا كنا نبالغ في التنازلات أحيانا، ولولا ذلك لما كانت هناك منطقة عازلة ولا كركرات ولا ميجق ولا بئر لحلو ولا تيفاريتي ولا هم يحزنون.

نور الدين مفتاح [email protected]

 

 

لا يمكن أن نبتهج لفشل أي حل سلمي في أي قضيّة حتى ولو كنا الطرف المتجنى عليه، ولهذا لا يسع المرء إزاء ما جرى ويجري منذ الجمعة الماضية إلا أن يعبر عن الأسف الشديد لهذا المنزلق الذي نجحت البوليساريو في جر نفسها إليه وإخواننا في المخيمات ونحن معهم.

 

 

ومنذ البداية، لابد في ظروف مثل هاته لم نعشها منذ 30 سنة ـ ولو معنويا ـ بالإعلان عن التحلل من اتفاق وقف إطلاق النار من طرف الانفصاليين، أن نميز بين قيادة البوليساريو، وبين إخواننا الصحراويين في المخيمات وأغلبهم لهم آباء أو أعمام أو خالات أو أخوات هنا في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأن نقر بأنهم بدورهم ضحايا لهذه العملية الكاميكازية الجارية الآن من طرف رئيس الجبهة إبراهيم غالي ومن والاه.

 

 

إن العداوة ليست في قاموس المغرب، وحتى الذين باعوا أنفسهم في السبعينيات للقذافي وبومدين ظل باب الوطن مفتوحا لهم، بل إن قائد القوات العسكرية للبوليساريو الذي قاد الحروب كلها ضد المغرب لمدة 16 سنة أيوب الحبيب موجود في الرباط معززا مكرما وغيره كثيرون، لأن المغرب لا يمكن أن يفرط في أرضه، ولكنه أيضا لن يفرط أبداً في أبنائه. هذه هي الطريق التي أعرف أن بلادنا لم تحد عنها منذ استقلالنا، لدرجة أننا كنا نبالغ في التنازلات أحيانا، ولولا ذلك لما كانت هناك منطقة عازلة ولا كركرات ولا ميجق ولا بئر لحلو ولا تيفاريتي ولا هم يحزنون.

 

 

إن قضية الصحراء جدية لدرجة أنها لا تحتمل السخرية من ضعف الأطراف الأخرى أو الاستهانة بالتهديدات أو التحمس للحرب. وإن كانت الحرب أحيانا خياراً لابد منه من أجل السلام، فإنها تبقى خياراً مؤلما، وقطرة دم واحدة لجندي مغربي إذا استطعنا أن نمنع سقوطها على رمالنا الزكية فهذا إنجاز. وأعتقد أن هذا هو ما ظل المغرب يتخذه كعقيدة سياسية، ولا نعدم الحجج ومنها قبول استقلال مبتور حتى من طرفاية واختيار المسيرة الخضراء السلمية البهية للتحرير، بل واقتسام الصحراء في البداية تكتيكيا مع موريتانيا قبل استرجاع وادي الذهب سنة 1979 وقبول توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار مع البوليساريو رغم أننا كنا منتصرين ومتحصنين بالجدار الدفاعي، وقبلها قبول الاستفتاء على أرضنا والدخول في مسلسل تسوية أممي شاق ومؤلم نتواجه فيه مع خصم يشتغل بالوكالة، ثم التنازل مرة أخرى باقتراح حكم ذاتي تبقى فيه للمغرب السيادة والعلم والعملة، وما دون ذلك يديره المغاربة الصحراويون، ثم الصبر على ما يناهز الألف وخمسمائة خرق لوقف إطلاق النار والتجاوز على السطو على شبه مدينتين بالمناطق العازلة وهما تيفاريتي وبئر لحلو من طرف قيادة البوليساريو وإقامة منشآت ونشاطات بهما وغير هذا كثير.

 

 

وحتى بعد هذه العملية الجراحية السريعة للقوات المسلحة الملكية لتحرير معبر الكركرات من احتلال غير مشروع، لم تعلن الرباط عن تمزيق اتفاق إطلاق النار ولا عن التحلل من مسلسل التسوية الأممي، بل تم تأكيد ذلك رسميا في اتصال هاتفي بين ملك البلاد والأمين العام للأمم المتحدة، الاثنين الماضي، مع التسطير على أن القوات المسلحة سترد بحزم على كل اعتداء في إطار دفاعي.

 

 

يحصل كل هذا والعقلاء يدعون الله ألا تنزلق الأمور أكثر، فالحرب دائما هي أسوأ الخيارات للكبار والصغار والأقوياء والضعفاء. ولهذا أعتقد أن المغرب لو دعي إلى طاولة مستطيلة أو مستديرة أو مربعة فستجده حاضرا في إطار الشرعية واحترام التزاماته الدولية.

 

 

أما وأن تواصل قيادة البوليساريو دق طبول الحرب، وتكون القيادة الجزائرية حاملة لمشعل تسخين جلود هذه الطبول لتزيد رنّة، ويتواصل إصدار البيانات الحربية التي وصل عددها إلى حدود كتابة هذه السطور إلى أربعة، فإن المغرب مجبر حينها على الدفاع عن نفسه وهذا مفروغ منه، مع اختلاف جوهري هو أن ظروف 1991 ليست هي ظروف 2020 لا عتاداً ولا استعدادا ولا خبرة عند قوات مسلحة ملكية ميزتها أنها تقاتل بمعنويات الأبطال، لأن لها قضية سامية هي الذود عن الوحدة الترابية. ولهذا فعملية الكركرات لا تستمد أهميتها من كونها عملية ميدانية، لأن قدرات القوات المسلحة الملكية أكبر من 60 شخصا عرقلوا حرية التنقل في معبر بين بلدين، ولكنها عملية استراتيجية حسمت جزءا من مشكل ما يسمى بالمناطق العازلة التي تتصرف فيها قيادة البوليساريو كمناطق محررة، ومن هنا يمكن أن نلج إلى ما قد تسفر عنه الأيام القادمة ولا يمكن الاستهانة به.

 

 

إن إعلان البوليساريو الحرب، وخروج زعيمها أول أمس من بئر لحلو ليقول إنه سيواصل الكفاح حتى يوم النصر، سيضع على كاهل هذه القيادة مسؤولية تحديد السقف والتحكم في الإيقاع، لأن المغرب موجود في صحرائه ومتحصن في الجدار الدفاعي. والسؤال المطروح اليوم هو ما العمل إذا تمادت قوات البوليساريو في التوسع بالمناطق العازلة شرق الجدار؟

 

 

فهذه أراض تركها المغرب طواعية لئلا يصطدم مباشرة مع جيرانه، ولكن مساحتها هائلة تفوق الخمسين ألف كلم مربع وتعادل 5 مرات مساحة لبنان ومرة ونصف مساحة بلجيكا مثلا، وقد دأبت البوليساريو على الدخول إليها واختلاق مظاهرات لمدنيين بها، وينتظر مع هذا التصعيد غير المسبوق أن تدخلها بقوات مسلحة، فهل سيظل المغرب مكتوف الأيدي؟

 

 

لا أعتقد ذلك. فحين تم بناء الجدار، لم يكن ذلك يعني بالنسبة للمغرب أن هذه هي حدوده، بل إن المغرب أصلا يعتبر امتداده عموديا من طنجة إلى الكويرة، وشرقا وفي الجنوب الشرقي يمتد إلى الحدود الدولية مع موريتانيا والجزائر، وإذا أرادت قوات البوليساريو أن ترد الفعل بحيازة مناطق جديدة في المنطقة العازلة، فإن القوات المسلحة الملكية ستضطر إلى تجاوز الجدار واستعادة أراضيها، تماما كما فعلت نهاية الأسبوع الماضي بالكركرات.

 

 

ومن هنا، تأخذ عملية المعبر المغربي الموريتاني كل قوتها الرمزية الهائلة لأنها نقطة فاصلة بين تاريخين، نقطة لم يسع إليها المغرب ولكنه اضطر إليها وقطع بها مع 30 سنة من الضبابية والتردد، وقد أقول وأنا العبد الضعيف لله الذي لا أملك إلا التوقع، إن الجدار الدفاعي المغربي قد يصير جدارا متحركا إذا ما قررت البوليساريو أن تعلن حرب الحسم، وهنا سيكون المغرب كمن لم يأمر بها ولكنها لم تسؤه.

 

 

أكرر أن الحرب خيار مؤلم جداً للجميع ولكن الغالب الله، هي اليوم قد تقررت من طرف واحد والمغرب ليس له خيار، وحتى إن عادوا إلى اتفاق 91، فإن طعم الوجبة التي تقاسمناها يوما ما سيصبح «باسلا» بالمفهوم الدارج وليس العسكري، وقد تكون هذه فرصتنا للدخول لبئر لحلو وتيفاريتي ودفع الجبهة إلى قواعدها في المخيمات داخل الحدود الجزائرية، في انتظار يوم يتم الإفراج فيه عن إخواننا الذين شبوا وربما شابوا في ظلال النزاع، ليعودوا إلى وطنهم ويعانق الصحراويون الصحراويين ويجلس الجميع القرفصاء إلى مائدة الوطن، لنتدافع سلميا من أجل الديموقراطية والتنمية وكرامة الإنسان. فالمغرب ليس كاملا ولكن الانفصال ليس حلا والحرب مع المملكة الشريفة خطأ جسيم، والله يهدي ما خلق.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق