سيرة عَمّي إدريس مول الكمّامة

يفكر عمي إدريس ويقول إن العظماء من يتخذون قرارات لاشعبية ضرورية، ويرتا..ح، ويهاتف السي بنعبد القادر ليكشف له بصوفية رمضانية سر العظمة في قانون الكمامة. ثم ينشرحان بل ينكتان «قالو ليك نجمع المجلس الوطني؟ هو مجلس الأمن وما اجتمعش عاد نجمع أنا ألف واحد فكورونا ههههه»

نور الدين مفتاح [email protected]

 

مَن غير هذا الاتحاد الاشتراكي باستطاعته أن يغطي على كورونا بعظمته وصولجانه؟ من غير هذا الاتحاد الذي ولد ولادة جديدة مع عمنا إدريس لشكر يستطيع أن ينسي شعبا الهلع من فيروس قاتل، والضجر من حجر صحي ثقيل، والاكتئاب من حظر تجول قاس؟

 

إن الذين يقولون بأن المغرب بصدد كتابة ملحمة شبيهة بالمسيرة الخضراء في هذه الحرب ينسون أن هناك من يكتب ما هو أروع وأبقى، إنه قائد آخر الثورات الذي سيُخضع مارك زوكربيرغ ولاري بيج، ويجعل الفيسبوك واليوتيوب وما جاورهما يضطرون للحصول على ترخيص من الولايات أو العمالات ليشتغلوا في البلاد التي فيها من لا يتنازل ولا يركع ولا يساوم إلى أن يحصل الكاتب الأول إن شاء الله على وزارة الداخلية في مغرب ما بعد كورونا. فلا مغرب بعد كورونا بلا اتحاد، ولا مغرب بعد الجائحة بلا إدريس. وإذا كان السي محمد اليازغي ذات يوم قد أخذ سيارته من الرباط إلى عين السبع ليعلن من قناة الدولة الثانية عن وفاة المخزن، فإن لشكَر اليوم يشتت الرسائل على العالمين ليقول للمغاربة إنه أحيا كل ما سبق أن ادعى اليازغي وفاته! أحيا الحزب وحصل بأقل فريق برلماني عددا في التاريخ على رئاسة مجلس النواب، وسيعطي لهذا المخزن حياة جديدة عندما يمسك بتلابيب أم الوزارات، وينتقم بذلك أيضا للمجاهد عبد الرحمان اليوسفي، أطال الله عمره، حين أهانه إدريس البصري عندما لم يسمح له إلا باجتماع يتيم مع الولاة والعمال بلا لون ولا طعم ولا رائحة.

 

لكل هذا، يعتبر إدريس لشكر أن أغلبية الناس لا يفهمونه، والذي يؤلمه أكثر هو أن أغلبية الأسماء الوازنة من اتحاد زمان تخلت عنه، وقد سُمع وهو يقول إنه سيترك لهم هذا الاتحاد وليبحثوا عمن سيحمل ويتحمل وبزا..ف! بل إن أكثر ما يؤلم سي إدريس هو أنه حتى هذا الجيل الجديد الذي يوجد معه في القيادة لا يفهمه، وإذا فهمه لا يمشي معه إلا نصف خطوة. فأين الإقدام مع إدريس الهمام يا ورثة الأماجد والعظام؟

 

لكل هذا أيضا، ولما تخلى الجميع عن الوزير محمد بن عبد القادر التطواني شافاه الله، لم نجد إلا جرأة إدريس لشكر ليقول كلمته ضدا في الرأي العام وضدا في الرأي الخاص لجزء عريض من مناضلي الحزب أنفسهم، وقال بصرامة القائد وجرأة المناضل وعزيمة الشجعان في حوار مع «أخبار اليوم» حول قانون الكمامة: «حسب ما اطلعت عليه من وسائل الإعلام، فإن هذا النص يستجيب لحاجات مجتمعية حقيقية، هناك مجموعة من المنصات مجهولة الهوية تنشط في مجال جلب الأطفال للبغاء، والاتجار في البشر، وكيفية صنع المتفجرات، كما ينتشر السب والقذف في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي قضايا تستوجب التصدي لها».

 

وا..و!! الاتجار في البشر كاع آسي إدريس؟! ولكن أليس هناك قانون خاص بهذا الاتجار البشري سارت بذكره الركبان في قضايا رأي عام معروفة؟ أليس هناك قانون يجرم الأخبار الزائفة في النشر الإلكتروني من خلال المادة 72 من مدونة الصحافة والنشر؟ أليس هناك قانون جنائي غني ـ ولله الحمد ـ بالعقوبات للتصدي لكيفية صنع المتفجرات وإذا لم يكف فهناك قانون الإرهاب؟!

 

لا.. إننا لا نفهم أبّا إدريس. فالمشكل في المغرب الحديث هو مشكل سياسي، والذي يعتقد أن هناك حلا للمملكة بدون مصالحة حقيقية بين الاتحاد والدولة واهم، والذي يعتقد أن جسر الثقة قد بني بين ورثة الفقيه وبنونة وشيخ العرب واهم أيضا. ولذلك ما فتئ إدريس منذ توليه القيادة ينبه ويوجه ويحذر ويؤطر وهو يشَيّد معمل الإسمنت الاتحادي لتبليط طريق الحرير البنفسجي من أجل بناء الثقة. إنهم لا يفهمونني! يقول لشكر: أنا لم أغلق عليّ باب داري لأحترف النميمة المخملية أو الانتقاد السهل كما فعل قياديون يتباهون اليوم بشرف عدم المشاركة في كلفة هذا البناء، ممن فتح الله عليهم ومن لم يفتح! أنا أبدد رصيدي كل يوم من أجل ماذا؟ فالزعامة أنا تجسيد وازن لها، والبرلمان أنا فيه، والوزارة دخلتها، وعندي اللي يتحرق ما يتّم. فلذلك أنا كثير التأمل في هذا الحجر الصحي المبارك، وقد أرمي لهم هاد البرويطة والملاسة ونمشي ناكل فلوسي واللي بغا يبني شي يمشي يبنيه.

 

الذين يروون عن أبّا إدريس ما رويت يقتنعون بالرجل ويتعاطفون معه، ومنهم من تغرورق عيناه بالدموع، وقد يصل الأمر بآخرين إلى أن يقسموا بأن يمر قانون 20ـ22 للتصدي للمتآمرين عبر هذا التواصل الاجتماعي الذي لم يربح منه السي لشكر إلا المشاكل. ورغم كل شيء فالاتحاد مثل الكرة الأرضية تماما، يدور. وفي دار السي لشكر كيدور، وفي شارع العرعارعمي إدريس كيدور.

 

واجه حركة لكل الديمقراطيين ثم الأصالة والمعاصرة ونحت عبارته الخالدة «الوافد الجديد»، وما لبث أن دار ليدخل الوزارة ويتحالف مع العزيز الوافد الجديد. أصبح حبيب إلياس العماري وخليل حميد شباط، وكان يضرب كل العصافير بنصف حجرة. يبني الثقة التاريخية من خلال إلياس ويعزز الكتلة مع شباط، ويحارب الظلاميين بنفسه لأنه اليساري الوحيد في هذه الكتيبة التي كانت لوحدها تجسد أحلام أمة. واحسرتاه! هل كنا سنحتاج لعذاب البحث عن نموذج تنموي جديد لو نجحوا أو أفلحوا؟ كل هذا لا يهم عمّي إدريس.

 

إدريس شكل ثاني، إنه لوحده دولة. ولكم أن تتساءلوا كيف كان الناجي الوحيد من تسونامي ما بعد النجاح الساحق لإسلاميي المؤسسات في انتخابات 2016. إلياس العماري اليوم بدون عنوان، وحميد شباط عند أردوغان، وصلاح الدين مزوار تكردع مرتين. وظل إدريس شامخا وصامدا، بل يمكن أن نقول إنه خرج من حرب البسوس هاته أقوى. فيجب أن تكون إدريس لشكر لتخسر الانتخابات وتربح التحالفات، ولذلك على الاتحاد أن يدور، أن يبقى يدور.

 

عندما بزغ النجم الجديد، كان عمّي إدريس أقرب إليه من ضوئه، ومع عزيز أخنوش حقق لشكر خبطة العمر، ووضع أكبر لبنة في طريق الثقة التي تبنى بالخدمات بعدما نفذ مخزون التنازلات، فأسقط عبد الإله ابن كيران. لقد أقسم هذا الزعيم الملتحي الذي كان يجر وراءه 125 مقعدا برلمانيا أن لا تطأ أقدام حزب لشكر حكومته المعينة، فسارع لشكر يستثمر كل تاريخه النضالي، من المهدي بنبركة إلى إلياس العماري، من داخل جيب السي عزيز أغراس أغراس حتى سقط ابن كيران وربحنا ديمقراطية عنوانها أن ليس المهم هو الأغلبية التي تحصل عليها لخمس سنوات من طرف الشعب، ولكن المهم هو القدرة على الدوران وإتقان السياسة، كفن للمناورة والميكيافيلية.

 

دخل عمّي إدريس إلى حكومة الدكتور العثماني بثلاث حقائب وزارية إلا ربع، ونفس الخط النضالي الذي رسمه في طريقه الحريري طبقه مع مناضليه الذين كانوا ينتظرون تقاسم جزء من كبرى مغانم إسقاط كبير الإسلاميين. وهناك من ظل مع لشكر إلى ما بعد منتصف الليل، فنام وهو وزير وحين استيقظ وجد نفسه بلا حقيبة ولا ربطة عنق. ومن هنا دخل السي بنعبد القادر التطواني.

 

جل القياديين الجدد في الاتحاد هم من فخذة السي محمد اليازغي، وهذا الرجل الذي عاشر الكبار وله بصمته في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، يعرفه إخوانه أكثر من غيرهم بأسلوب خاص هو ما وصفه مرة الزميل عبد الحميد جماهري بـ»شفرة حلاقة في قطعة قطن».

 

السي إدريس لشكر يازغوي قتل الأب بالانقلاب عليه، وبنعبد القادر كان مديرا لديوان السي محمد اليازغي في وزارة إعداد التراب الوطني، ولكنه لم يكن من الراسخين ولا المريدين المتقدمين، وبالتالي أثار استوزاره في المرة الأولى زوبعة في صفوف المناضلين أو الطامحين، ولكن لا راد لقضاء لشكر. وهنا تعرف المغاربة على أول الأشجار التي رعاها الكاتب الأول ببعد نظر واستشراف تاريخي ثاقب وغرسها في السي بنعبد القادر فأثمرت «ساعة» هي الأخرى تاريخية دبرت بليل، وجعلت المغاربة يودعون إلى الأبد ساعة غرينيتش، ساعتهم البيولوجية، ضدا على إرادتهم.

 

وما هي إلا شهور حتى عادوا إلى لشكر في تعديل ما يعرف بحكومة الكفاءات الساخرة، لتتبخر حقائبه الثلاثة إلا ربع، وتبقى لحزب الوردة العتيد، وللقائد الملهم باني الطريق البنفسجية وعريس الثقة، حقيبة واحدة يتيمة، فمن سيحملها؟ السي بنعبد القادر بذاته وصفاته. ولنا أن نتصور كيف أن زوبعة الاستوزار الأول ستتحول إلى إعصار، وجل المتتبعين كانوا يتوقعون أن ينفض القوم من حول الزعيم، وأن لشكر سيسقط كما تسقط التفاحة الناضجة من الشجرة، إلا أن أبّا إدريس خرج مرة أخرى سالما، فقد بكى مع الباكين وشكا مع الشاكين، ونقل عنه أنه بدوره كان ضحية، وأن جهة ما (الفوق) أرادت بنعبد القادر، بل إنه قضى بضعة أيام وهو ينوح، ويحاول قراءة الرسائل الجديدة ويتفحص الأجوبة على ما أسدى من خدمات، ولا يجد من مترجم أمين ولا حنين ولا رحيم. وبحدسه وفراسته كان يعرف أن الله يضع سره في أضعف خلقه، وها هي الأيام تنتصر لإدريس الفاتح ويأتي «قانون الكمامة» من وزير اتحادي يقول أنا من كتبته فيخرج الكاتب الأول ويقول إنه قانون ضروري، ويعود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الواجهة في زمن لا تستطيع حتى الحروب أن تزيح كورونا من الواجهة.

 

يفكر عمي إدريس ويقول إن العظماء من يتخذون قرارات لاشعبية ضرورية، ويرتا..ح، ويهاتف السي بنعبد القادر ليكشف له بصوفية رمضانية سر العظمة في قانون الكمامة. ثم ينشرحان بل ينكتان «قالو ليك نجمع المجلس الوطني؟ هو مجلس الأمن وما اجتمعش عاد نجمع أنا ألف واحد فكورونا ههههه»

 

ما يكون باس السي بنعبد القادر، أُودُّوز بْخير.

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. أيمن المرابطي

    برافو السي مفتاح على ما خطته يدك:

    كل شيء يطبخ من قبل …؟؟؟؟؟
    من يقرأ وسائط التواصل يعلم أن أكثر المغاربة يعتقدون أنه ليس هناك حكومة ولا رئيس حكومة…ولا أحزاب
    لكن عندنا ما درسوه لنا في تاريخ المغرب الحديث:
    {الصدر الأعظم}
    الذي كانت القوانين تصدر باسمه في الجريدة الرسمية سابقا،وهو اليوم في حرج من كثرة تردد اسمه في أعدادها السابقة فحول التوقيع الى غيره…حتى جاءت هذه الكمامة.

    من ينظر في وصول شباط الى قيادة الاستقلال وانقلابه على أغلبية بنكيران والتملص من ميثاق الأغلبية
    وكيف أن الذين أوصلوه الى القيادة هم الذين انقلبوا عليه بدوره في الحزب والنقابة
    ومن يفكر فيما مر على المزوار ومن جاء بعده…
    ثم ما استجد على {الوافد الجديد}…

    وما يهيىء بتأن لانتخابات 2021
    وان كانت كورونا رضي الله عنها وأرضاها قد بعثرت كثيرا من الخطط
    من فصيلة 100 ي/100 م…
    هذا الناظر والمتأمل لابد أن ينتقل من النظر في الخيط الذي ترقع به قشابة العمل السياسي بالمغرب
    للنظر في آلة الخياطة…
    وفي النهاية الوصول لمن يحرك بقدمه زر التحكم في الآلة والخيط وقشابة العمل السياسي

    بالتوفيق يا مفتاح في زمن أصيبت فيه أقفال الصحافة بالصدإ وامتلأت بالتراب

اترك تعليق