المتيمون من طرف واحد بلالة حليمة

إن لالة حليمة إذا أرادت أن تحافظ أو توسع من تمخزانيت فهذا مفهوم لأنه أصلها، ولكن ما يحز في النفس هو تناسل جمهرة من المتيمين من طرف واحد بلالة حليمة الذين يزيدون في العلم ويجتهدون في التمكين للاستبداد مما يسيئ للدولة نفسها، وهل هناك من إساءة أكثر من ضياع مجهود معتبر في مكافحة الجائحة بسبب الطيش والإذعان؟

نور الدين مفتاح [email protected]

 

مؤلم ما يقع في المملكة.

فعلى قدر درجة دائرة الأمل التي فتحت في إمكانية انبثاق مغرب أكثر تضامنا وعدالة وحرية وكرامة، بعد الانتصار على الكوفيد 19، على قدر درجة الإحباط الذي نحس به اليوم مع توالي الوقائع والقرائن التي تبين أن لالة حليمة ماتزال تصر على عاداتها القديمة.

لقد وصل زهونا بأنفسنا في زمن الجائحة إلى حدود لا تتصور، لدرجة أن بعض مفكرينا نبهونا إلى الاحتياط من تخمة الاعتداد بالنفس، ووصل الأمر بمستشار وزير الداخلية الأسبق لحسن بروكسي إلى اعتبار ما يقوم به المغرب في مواجهة هذا الوباء بمثابة “مسيرة خضراء ثانية ولكن بشكل أقوى”. وبدأنا نفاخر الدول الكبرى ونحن منتشون بالتفوق عليها في “حرب الكمامات” وربما الاختراعات والسبق في الاحترازات. وحلم البعض بأننا نجحنا خلال شهرين في رهانات لم نستطع إليها سبيلا طوال عقود، وأننا سنخرج دولة بحث علمي قوي، ودولة صناعية ودولة رقمية إلكترونية، مادام أبسط المواطنين توصلوا بقن في هواتفهم وتعاملوا مع الأنترنت، وأن الشبابيك الأوتوماتيكية وصلت إلى البوادي، بل إن صحيفة من أشد الصحف شراسة وهي “لوكنار أونشينيه” أشادت بتفوق المغرب على فرنسا في جزء من تدبير الجائحة.

ورغم الكثير من المبالغات في ما سبق، فإن جزءا مهما من تدبير المملكة لتداعيات كورونا فيروس كان موفقا لدرجة أننا في “الأيام” أفردنا غلافا في الشق السياسي نتحدث فيه عن “الوجه الجديد للمخزن في زمن الجائحة”، وقبله قلنا في مقال إن كورونا صالحت المغرب مع المخزن.

كان الناس يخففون من قساوة الحجر الصحي وحظر التجول بهذا الأمل في غد جديد يكون فيه الانتصار للمملكة الاجتماعية، ولانخراط الجانب المحافظ جدا في النظام في دينامية تغيير انبثقت من تعبئة قوية كادت أن تكتب عقدا جديدا أساسه ثقة أقوى بين الدولة والمجتمع، بدل التوجس ومراكمة الفرص الضائعة.

وللأسف، كل هذا تبخر في أسبوع ونيف، وشيئا فشيئا ظهرت انزلاقات لأعوان سلطة وبعض أطرها، والقياد والقايدات الذين كانوا يتوددون للكاميرات لتتبعهم في إطار منافسة غير مفهومة على النجومية، أصبحوا مستائين من قيام الإعلام الجديد بدوره في الوقوف على شطط هنا وخرق هناك. وفيما أصبحت عندنا نجمة سلطة من آسفي تحمل عنوان “باراكا علي من خيطي بيطي زيطي” ركب الزهو جزءا من الداخلية وصار التشدد من امتياز مغربي إلى انزلاق حقوقي، وانطلقت حملة اعتقالات واسعة للمواطنين بسبب جنح جد بسيطة كان من الممكن معالجتها بالتنبيه أو الغرامة أو غيرهما. وتم اعتقال أزيد من 40 ألف مواطن أكثر من نصفهم خضعوا لتدابير الحراسة النظرية مع ما يعنيه هذا من مخاطرة بهم في ظروف اعتقال لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتوفر فيها شروط التباعد الاجتماعي والصرامة الصحية.

وهذا للأسف جعلنا نتحول من لوحة شرف “لوكنار أونشينيه” إلى اللائحة “السوداء” لـ 12 بلدا صنفتها ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمن الدول المقلقة على اعتبار أن سلطات الطوارئ “لا يجب أن تكون سلاحا يمكن أن تمارسه الحكومات لقمع المعارضة والسيطرة على السكان”.

ومهما كانت صوابية أو دقة ما ذهب إليه هذا التقرير، فإن الرزء هو أن نتحول في أيام معدودات من دولة “عظمى” في مضمار محاربة الوباء إلى دولة متهمة ولو أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.

وزارة الداخلية لم تقف عند هذه الحدود، بل إنها استهدفت حرية الصحافة، فبعدما علقت الحكومة في 22 مارس الماضي طبع الصحف في البلاد على عكس أغلب دول العالم، استثنى السيد عبد الوافي لفتيت صحافيي المكتوب والإلكتروني من العمل خلال فترة حظر التجول في رمضان، في تمييز مقيت بينهم وبين زملائهم في الإعلام العمومي والإذاعات الخاصة. وبعد الاحتجاجات، وتفاعلا مع رسالة من المجلس الوطني للصحافة صدر قرار أسوأ من الأول وهو السماح للصحافيين بالقيام بعملهم شريطة إرسال لائحة بأسمائهم قصد الترخيص للولايات والعمالات في إهانة لم يسبق أن تجرعها الإعلام الوطني حتى في سنوات الجمع بين الداخلية والإعلام، ناهيك عن مخالفة هذا لمدونة الصحافة والدستور والمواثيق الدولية.

ويوما واحدا قبل هذا، أصدرت الداخلية مذكرة تفرض فيها على الصحافيين الذين يريدون تغطية تدخلات رجال السلطة في إطار مهامهم لفرض احترام الحجر الصحي، أن يحصلوا على ترخيص من السادة العمال، فكيف يمكن أن يرخص من نريد أن نراقبه لمن سيراقبه بمراقبته؟! خصوصا وأننا سلطة معنوية وهو سلطة فعلية لها ملكية استعمال القوة المشروعة.

حصل هذا في ثلاثة أيام متتابعة: السبت استثناء الصحافيين في المكتوبة والإلكترونية، والأحد المذكرة المشؤومة، والاثنين شروط إذعان الصحافة للولاة والعمال. وفي الثلاثاء، ستطل علينا للا حليمة التي ستضرب بقوة في بطن التعبئة والآمال وما جاورهما.

لقد سربت مضامين مشروع قانون خاص باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، صادقت عليه الحكومة في 19 مارس الماضي يمكن بكلمة وصفه بـ”قانون العار”. وحتى وإن كانت مصادقة الحكومة تتبعها لجنة تقنية للتنقيح كما قيل، فإن مضمون المشروع وتوقيت تمريره الذي جاء في عز تدبير أكبر جائحة يعرفها المغرب والعالم، كانا ضربة قاضية لكل حلم بمغرب الحرية والعدل.

باختصار، هذا مشروع يطلب من كل مواطن يريد أن يفتح حسابا في الفيسبوك مثلا أن يحصل على رخصة إدارية، وقد تطلب منه شهادة السوابق أو حسن السيرة والسلوك. وقد تكون هذه الإدارة هي العمالة وقد يتدخل في ذلك المقدم!

وللإدارة الحق في أن تطلب من المزود بالخدمة الحذف الفوري لأي مضمون يبدو لها غير صالح، بدون المرور على القضاء. وأن يراقب هذا المزود المضامين، وإذا نشرت خبرا زائفا مس النظام العام وأثار الفزع بين الناس فيمكن أن تصل العقوبة إلى 6 سنوات سجنا، مع العلم أن هناك المادة 72 في قانون الصحافة والنشر التي تتعلق بجميع المواطنين وليس بالصحافيين فقط، ولا تعاقب على نفس الأفعال إلا بالغرامة! وأما مصيبة المصائب فهي أن هذا المشروع يجرم الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات أو البضائع أو الخدمات، أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، بما يصل إلى 3 سنوات سجنا و50 ألف درهم غرامة.

وإذا عدنا إلى المادة 72 من قانون الصحافة والنشر، التي تتحدث عن نشر خبر زائف وتربطه بسوء النية وبنشر الفزع بين الناس “بواسطة الخطب أو الصياح… وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية” فإن العقوبة لا تتجاوز الغرامة ما بين 20 و200 ألف درهم. وتتضاعف هذه الغرامة في ما يتعلق بالتحريض على الإرهاب أو التأثير على انضباط ومعنويات الجيوش، وهنا سنكون إزاء مفارقة القرن! بحيث إن عقوبة الدعوة لمقاطعة بعض المنتوجات هي أثقل من عقوبة التحريض على الإرهاب والمس بمعنويات الجيوش!!

إن المناعة في الجسم الاجتماعي المغربي الذي انتفض ضد هذا المشروع المشؤوم الخارج من مكتب وزير ينتمي لما تبقى من الاتحاد الاشتراكي، كانت أقوى من مناعتنا ضد فيروس كورونا. ونتذكر كيف حاولت الحكومة في 2013 أن تمرر مدونة رقمية كانت مادتها 73 تجرم “نشر أشياء مخالفة للتوجه السياسي العام أو الأخلاق الحميدة!! وأسقطها الشعب. وقد يسقط هذا المشروع ومعه الوزير بنعبد القادر. إلا أن الكارثة هي خسارة المغرب لفرصة تاريخية اعتقدنا فيها أن الثقة الجديدة في رحاب التضامن ستكون طاقة خرافية لانطلاق مركبة التعبئة من أجل المملكة المغربية الثالثة.

لقد تكسر هذا الحلم، وعلينا انتظار غودو ليطل من جديد.

إن لالة حليمة إذا أرادت أن تحافظ أو توسع من تمخزانيت فهذا مفهوم لأنه أصلها، ولكن ما يحز في النفس هو تناسل جمهرة من المتيمين من طرف واحد بلالة حليمة الذين يزيدون في العلم ويجتهدون في التمكين للاستبداد مما يسيئ للدولة نفسها، وهل هناك من إساءة أكثر من ضياع مجهود معتبر في مكافحة الجائحة بسبب الطيش والإذعان؟

مؤسف ما يقع في بلادي حقا.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق