الحسيني يتحدث لـ”الأيام24″ عن القائد الجديد للعالم بعد كورونا وخطة المغرب لمواجهة الجائحة (حوار)

 

أضحت جائحة “كورونا” وتداعياتها تأخذ ملامح الأزمة العالمية، ليس فقط لانتشار الفيروس المستجد جغرافيا إلى كل قارات العالم، ولكن أيضا لأن الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمحاولة احتواء هذه الأزمة أصبحت تمس الحياة اليومية للبشر على نطاق واسع. كما أن تداعياتها الاقتصادية، بحسب مؤسسات دولية، ستشكل شأنها شأن أحداث مفصلية في التاريخ، حدث عالمي مدمر يصعب تخيل عواقبه على المدى البعيد.

لكن الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها بعض الدول من بينها المغرب، للحد من انتشار فيروس “كورونا” المستجد، من إعلان حالة الطوارئ الصحية، وإغلاق المجال الجوي أمام الرحلات الخارجية والداخلية وتعليق جميع الأنشطة الرياضية والثقافية، مكنته من تجنب سيناريو كل من إسبانيا وإيطاليا اللتين تعتبران أكثر الدول انتشارا للوباء في أوروبا.

تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، يتحدث في حوار مع “الأيام24″، عن ملامح النظام العالمي بعد انحسار جائحة كورونا، وطبيعة الصراع القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على ضوء الاتهامات المتبادلة بين البلدين، ومستقبل إيطاليا داخل الاتحاد الأوروبي، وكذا الاستراتيجية التي اعتمدها المغرب في التعامل مع فيروس “كورونا” المستجد.

 

ما أبرز التحديات المطروحة بالنسبة للمجتمع الدولي لمواجهة جائحة “كورونا”؟

 

العالم يواجه اليوم تحديا من أخطر ما عرفه خلال قرون مضت. العالم تصدى لأزمات خطيرة على مستوى الأوبئة في القرن 18، كان ظهر وباء الطاعون ثم القرن 19 كان ظهر وباء الكوليرا، ربما وباء الإسباني الذي جاء في سنة 1921، وحصد ما يفوق من 50 مليون شخص خاصة في قلب أوروبا، ولكن كل هذه الأوبئة كانت محدودة في مجالاتها رغم عالمياتها، يعني تنتقل من منطقة إلى أخرى ولكن بشكل جد متأخر وبطيء، لكن نوع الأوبئة التي أصبحت ترتبط بفيروسات كورونا بالأساس وحتى أنواع أخرى، أصبحت اليوم تطرح إشكالات منذ عدة سنيين، نذكر ما سببه وباء مثلا أيبولا والسيدا، وسارس، ومُتلازمة الشرق الأوسط التنفُّسية (MERS) ، لكن تلك الأوبئة كانت جميعها تبقى محدودة في الزمان والمكان، ولا تحدث أثارا أو صدا عالميا كما هو اليوم، لذلك يمكن أن نعتبر فيروس “كورونا” المستجد غير المعطيات رأسا على عقب فيما يتعلق بعالمية الظاهرة وشموليتها ومخاطرها ليس فقط على صحة الإنسان، ولكن حتى على مجموع النظام العالمي.

عندما نتحدث الآن هناك تحديات كبرى مطروحة فيما يتعلق بإمكانية المزاوجة بين التعايش مع الفيروس والاستمرار في الحياة العادية، أي تفادي مضاعفات الصحية الحجر الصحي، الذي يطرح اليوم مشكل منها انهيار الاقتصاد.

 

هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار النظام العالمي؟

 

النظام العالمي في حد ذاته قد ينهار إذ استمرت آلية الحجر الصحي، بنفس الشكل، ولذلك أعتقد أن كل الدول الآن أصبحت تراهن على عنصرين أساسيين، أولهما إيجاد الأقنعة الواقية الكافية لتلبية رغبات مواطنيها، وثانيا، إعداد أجهزة التنفس المناسبة لإنقاذ الحالات المزعجة.

وأكثر من هذا وذاك، التحدي الحقيقي يبقى اليوم مرتبط بإيجاد علاج فعال لمعالجة الآفة، فعلا هناك اليوم دواء الكلوركين، لكن لا يعالج الظاهرة في عمقها، لا يقتل الفيروس، ولكن يمنعه مثلا من الوصول إلى الخلية، هناك تجارب جديدة، مثل التي عرفتها مؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أدت إلى اعتماد دواء كان قد جرب لفيروسات أخرى، وأعطى نتائج يبدو أنها باهرة في شيكاغو، لكن ينتظر أن تتم التجارب السريرية في عدة مناطق أخرى، لإمكانية اعتماد هذا العلاج من طرف إدارة التغذية والزراعة والصحة في أمريكا، ومنظمة الصحة العالمية.

ولكن كما قلت أهم تحدي يعيشه المجتمع الدولي اليوم، هو القدرة على إيجاد لقاح فعال لمواجهة هذه الظاهرة، وحتى هذه العملية ستبقى ربما خلال السنوات القادمة محفوفة بالكثير من المخاطر، لأن ميزة الفيروسات هي قدرتها على التغيير والتكييف بشكل مستمر، وقد لاحظنا كم يعاني المصابون فقط من الزكام، من إشكالات ترتبط بتغيير بنية الفيروس حسب المواسم، مما يجعل التحديات أكثر خطورة بالنسبة لمعاهد الأبحاث والعلماء.

 

ما تأثير فيروس “كورونا” على اقتصاديات الدول الأوروبية والأمريكية؟

 

فيروس كورونا المستجد آثر بشكل قوي على اقتصاديات كل الدول التي بلغت فيها نسبة الوفيات والإصابات، حدود تتجاوز ما هو مكفول من ناحية قدرات المستعجلات والمستشفيات ما يمكن القول اليوم أن النظام الاقتصادي العالمي يتعرض لتدرج تقريبا نحو الانهيار، أولا ظهر هذا واضحا في أسواق البورصة بمختلف الدول المتقدمة، ثم ارتبط بأسعار البترول التي انخفضت بشكل حاد وهبطت الآن إلى 20 دولار للبرميل، رغم القرار الذي اتخذ بتعاون بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا السعودية ومنظمة الأوبك، لتخفيض انتاج النفط، إلى أكثر من 9 ملايين برميل يوميا، لو كان بطبيعة الحال هذا التدهور في أسعار البترول رافقه بالمقابل ارتفاع قوي في أسعار الذهب.

وهذا الارتفاع في أسعار الذهب يفسر دائما بأنه الملجأ الأمين، عند فترات الأزمات الكبرى، حيث عرف العالم، أزمات 1929، وأزمات 1987 و1988، وبالتالي هذا نذير شؤم بالنسبة لاندلاع أزمة اقتصادية عالمية، خاصة ان منظمات بريتون وودز، ‏ الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من 1 إلى 22 يوليوز 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية، وحضره ممثلون لأربع وأربعين دولة، ووضعوا خلاله الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، (بريتون وودز)، لكن لم تعد بوسائلها المحدودة على معالجة الوضع المالي للكثير من البلدان، رغم القروض الكبرى، التي وضعتها رهن إشاراتها ومن بينها المغرب.

 

هل نفهم أن النظام العالمي الاقتصادي أصبح في زمن كورونا معرضا للانهيار؟

 

بالفعل، النظام العالمي الاقتصادي أصبح معرضا اليوم، لنوع من الانهيار الذي هو سبب الأساسي الذي دفع دول كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المطالبة بفتح الاقتصاد بشكل سريع، فعملية فتح الاقتصاد، أنه ربما تكون هناك ضحايا أخرى، لكن المهم أن ننقذ النظام الاقتصادي من الانهيار، وبالتالي هذا من بين النتائج الخطيرة والكبيرة والمهمة جد، بالنسبة لفيروس “كورونا” المستجد.

 

ما طبيعة الصراع القائم اليوم بين الولايات المتحدة الأمركية والصين في زمن كورونا؟

 

الصراع المحموم القائم بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، يدخل فيما يتعلق بإطار توازن القوى الشمولي.
الصين، هي الآن تعد نفسها لتصبح القوى الأولى في المتجمع الدولي، وهذا الموضوع لا يناقش فقط منذ اليوم، حيث كنت شخصيا قد قدمت منذ حوالي 17 أو 18 سنة، مداخلة أمام أكاديمية المملكة المغربية، بحضور شخصيات وزانة في المجتمع الدولي، وكان إطار الأطروحة التي تشبث بها، هو أن توازن القوى، وكنا نعيش آنذاك عهد ما يسمى بـ”نظام الأحادية القطبية”، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبشر بالنظام العالمي الجديد، وتتبنى الهيمنة الكبرى على الأسواق، إلخ.

 

هل نفهم من جوابكم أن الصين استطاعت أن تخرج منتصرة من الحرب كورونا؟

 

اليوم عندما نلاحظ أن الصين أصبحت تتبوأ تقريبا هذا المركز في عدة مجالات، خاصة في الميدان الاقتصادي، يمكن أن نعتبر أن ما وقع اليوم في ووهان بالصين، لأول مرة حيث ظهر فيروس كورونا، ربما الصين استطاعت فعلا احتواء الأزمة بشكل ذكي، فقد استطاعت أن تشغل أنظمة الهواتف المحمولة، لتطوق الفيروس، من خلال التعرف المباشر على المصابين ورصدهم ومتابعتهم، ثم ثانيا كونها أعدت العدة لإيواء هؤلاء بعيدا عن عائلاتهم، تفاديا لكل مخالطة مع الآخرين، حتى ولو كانت الأرقم التي أعطيت بخصوص أعداد القتلى ومراجعتها فيما بعد من طرف الصينيين، وحتى لو ضعفت هذه الأرقام بعشرة مرات، فسوف نستنتج أن الصين ربحت معركتها على كل حال.

 

وهذا الربح في حد ذاته يعتبر انتصارا يمكن أن نطلقه عليه بـ”سياسة المكانة”، التي تحاول كل دولة أن توظفها بتمديد مكانتها وهيمنتها في مجالاتها الإقليمية والدولية.

 

تقارير أشارت أن الصين كسبت 10 مليار دولار في حرب جائحة “كورونا”؟

 

الصين، نجحت في ان تصبح هي المسوق الأساسي للأقنعة الواقية وغيرها في زمن كورونا، واستطاعت أن تجني 10 مليار دولار فقط من هذه العملية، ناهيك عن قدرتها على استيلاء في عز أزمتها على الكثير من الشركات العابرة للقوميات، التي كانت تراهن في بدايتها على الاقتصاد الصيني، ثم انكفئت وتراجعت عند ظهور الفيروس، فاستطاعت أن تتدخل في رأس مالها وتشتري عدة أسهم وتسيطر عليها فيما بعد، وهذا النوع من المناورة الذي اعتمدته الصين، أعطاها مزيدا من التفوق في الميدان الاقتصادي.

اليوم، الصين دائنة لمركزها للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبحت اليوم تكتسه الأسواق، وأكثر من ذلك على الصعيد الاجتماعي أصبحت تستقطب التعاطف الاجتماعي من كل الجهات، مثلا عندما نذهب إلى إسبانيا وإيطاليا في عز الأزمة، فسنلاحظ أن عدة مؤسسات أصبحت تسقط علم الاتحاد الأوروبي وترفع بديل عنه علم الصين.

ولاحظنا أن الصين بعثت أطباء وأقنعة واقية حتى بشكل مجاني، وقدمت مساعدات أجهزة التنفس الاصطناعي إلخ. فالصين تحاول اليوم أن تهيمن بطرقة ذكية على أطراف جديدة في المجتمع الدولي، بما فيها القارة الإفريقية، فهي تمدد اليوم طريق الحرير ليصل إلى قلب إفريقيا، وهي على كل حال تبدو وكأنها تنجح تدريجيا في مسارها هذا، وبالتالي هذا التطور يزعج كثيرا الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أن ردود الفعل التي صدرت عن ترامب، كانت معبرة عن هذا النوع من الشعور.

 

ما خلفيات اتهام ترامب للصين بنشر “كورونا” ووصفه بـ”الفيروس الصيني”؟

 

ترامب في غير ما من ندوة صحفية أصبح يصف “كورونا”، بالفيروس الصيني، وإذ كانت آثار حفيظة الصينيين واحتجوا على هذا الموقف، لكن اليوم هناك أصوات ترتفع لتقول إن هذا الفيروس ليس طبيعيا بل هو منتج في المختبرات الموجودة في مدينة ووهان الصينية، لدرجة أن البروفيسور الفرنسي لوك مونتانييه، الحاصل على جائزة نوبل للطب عام 2008، أكد بشكل حازم أن خطأ وقع فيه الصينيون فيما يتعلق بإفلات فيروس كورونا من مختبراتهم وأدى إلى ما وقع في ووهان.

اليوم ربما الولايات المتحدة الأمريكية بمثل هذا التصريح، ستوظفه بشكل قوي في الأبحاث والتحقيقات التي تقوم بها لتحديد حقيقة هذا الوضع، وبالتالي أعتقد أنه إذا كان من حرب عالمية في المستقبل، قد تنشب كما يقول البعض، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر وآخرون، فهي سترتبط بهذا الصراع القوي.

 

نعود بكم للحديث عن مستقبل إيطاليا داخل الاتحاد الأوروبي، هل يمكن أن ينقل فيروس “كورونا” “عدوى البريكست” إليها؟

 

إشكالية تفكك الاتحاد الأوروبي، ليست بالشيء الجديد، بل هي مطروحة من عدة سنوات، خاصة خلال الأزمة الاقتصادية، عندما كنت اليونان تعاني وإيطاليا هي الأخرى، وبلدان أوروبية أخرى، تمتنع عن تقديم حد أدى من المساعدات، وتطويق هذه البلدان، بالالتزامات الخاصة بأحد أقطاب التضخم، وفيما يتعلق بالحد الأقصى لاستعمال القروض، إلخ.

فربما اليوم، فمع أزمة فيروس “كورونا” المستجد، هذه الوضعية أصبحت أكثر خطورة، لأن إيطاليا كانت ربما تفوق في وفياتها وإصاباتها حتى في الصين الشعبية وباقي البلدان الأوروبية الأخرى، وبالتالي كانت فعلا في حاجة إلى المساعدة، ولاحظنا أن صعود الحكم اليمني في هذه البلدان الأوروبية، هو العنصر الأساسي في هذا التحول، واعتبر أن هذا النوع من السلوك الأوروبي غير محمود، وكما قلت قبل قليل، أن عدة مؤسسات في إيطاليا أصبحت تزيح علم الاتحاد الأوروبي وتضع بدل عنه العلم الصيني.

 

أخيرا..ما هي القراءات التي يمكن أن نخرج بها في تعامل المغرب مع جائحة “كورونا”؟

 

أظن أن المغرب، كان في مستوى جيد في التعامل مع جائحة فيروس “كورونا” المستجد، ولو ربح أسبوعا آخر فيما قبل لكان الأمر بأفضل بكثير، إذ عرفنا نتائج تطور الأوضاع في إيطاليا وفي الصين وكانت البدايات الأولى في إسبانيا، كان هناك أشخاص لا يزالون يأتون باستمرار إلى المغرب، بطائرات من إيطاليا وإسبانيا، وعمليات المراقبة، اعتقد على مستوى المطارات لم تكن قد زودت بعد بالوسائل الكفيلة، لردع الفيروس.

لكن اعتقد أن الذي اتخذ وقام بالمبادرة الشجاعة لمعالجة الوضع هو الملك محمد السادس، وأصدر أوامره بضرورة الإسراع في ضرورة إيقاف الرحلات الجوية نحو المناطق الموبوءة وإغلاق الحدود المغربية، إلخ، وحتى قراره باستقدام الطلبة المغاربة الذين كانوا موجودين في ووهان، ووضعوا في الحجر الصحي، وجدنا أن هذا الأسلوب أدى إلى نتائج جد إيجابية فيما يتعلق بوضعية المغرب، إذا قورن ببلدان الجوار، لا بالنسبة للجزائر أو إسبانيا أو إيطاليا أو دول المنطقة التي تعتبر الوضيعة فيها تقريبا مآساوية.

بالإضافة إلى جملة من الإجراءات التي اتخذت لمواجهة فيروس “كورونا”، فإن المغرب تعامل حتى مع الاحتياجات الأساسية لهذه المرحلة بكثير من الذكاء عندما جندت عدة مصانع ومؤسسات للتصنيع السريع، للأقنعة الواقية التي يظهر واضحا أنها أصبحت الآن بعد فترة انقطاع متوفرة في الأسواق، خاصة بعد إسناد هذه المهمة إلى الصيدليات كذلك، وتخفيض عدد الأقنعة في كل علبة، بحيث البداية كانت علب 50 و100، الآن نزل العدد إلى 10 وحدات، وبالتالي إمكانية التوزيع أصبحت أكثر سهولة.

هذا القرار في حد ذاته، كان مثير لكثير من التساؤلات، حتى في البلدان الأوروبية بنفسها، من خلال صحف فرنسية وغيرها، وحتى على مستوى محادثات قنوات تلفزية، هناك نوع من التساؤل لماذا نجح المغرب في إنتاج الأقنعة الواقية الكافية في حين أن فرنسا وإسبانيا وإيطاليا لازالت تلهف وراء الأقنعة الصينية.

المغرب عندما يصل إلى إنتاج 5 ملايين وحدة، يوميا، هذا سيمكن من أن نصدر هذا المنتوج إلى البلدان المجاورة، وهذا في حد ذاته يعطي نوعا من الأمل في إمكانية تقدم الأكثر في مجالات مثلا التصنيع، وهذا قد شرع فيه بالفعل.

مقالات مرتبطة :

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.