توظيف غير موفق لبراءة تتراءى في الأفـق

 سعيد بلفقيه *

في الوقت الذي ماتزال الحناجر تصدح حتى في الزمن الوبائي الذي نعيشه من أجل الرفع من منسوب مضامين المنتوج الإعلامي الذي يعرف شبه إجماع أنه من الممكن أن يكون جزء منه قد أسهم بنسبة معينة في ظهور بعض السلوكات المنافية للإجماع الوطني الذي برزت بعض تمظهراته خلال تنفيذ تدابير الحد من تفشي جائحة فيروس كوفيد 19، يأبى صناع المادة الاعلامية في القنوات الممولة من اموال دافعي الضرائب إلا أن يسبحوا ضد المطالب المناهضة للبرامج الرديئة بصفة عامة والمستغِلة لبعض الشرائح المجتمعية خاصة ولفئة الطفولة على وجه التخصيص.

ومن الأمثلة على ذلك، هو ما تمت معاينته بداية هذا الشهر الفضيل من خلال “سيتكوم” الذي يبث على شاشة القناة الأولى (بالرغم من شدة الإستهجان الذي لقيه السنة الفارطة)، حيث يواصل استغلالا غير موفق لموهبة طفلة، هذه الموهبة الواعدة كان من الممكن توظيف قدراتها التمثيلية في تمرير خطابات تربوية قد يكون لها نسبة من الوقع لدى المتلقين وخصوصا الأطفال منهم، مادامت هذه الفئة تشكل نسبة من متتبعي هذه المادة الإعلامية، علما أن هذه الأخيرة يتم عرضها في ما يعتبر بساعة الذروة بغرض رفع نسبة المشاهدة التي تعتبر ضالة الجهة المنتجة ضاربة عرض الحائط فلسفة وغايات الإنتاج الإعلامي وتأثيره على المتلقي أيا كانت فئته أو عمره.

مع الأسف تم إلباس هذه الموهبة بدور لا يتماشى ومرامي المواكبة التأطيرية المفترض أن يلعبها الإبداع الفكاهي كواحد من المداميك الرئيسة في التعبيرات الإبداعية التي من المفروض أن تسهم في الرقي بالذوق الجماعي من خلال مواكبته السوسيودرامية لمختلف القضايا المجتمعية أو بمعالجته لهذه القضايا في جزئيتها او شموليتها مع طرح البدائل الممكنة، حتى ترتقي هذه الأنواع التعبيرية إلى الاضطلاع بفلسفتها التأطيرية للمجتمع سواء بقالبها الترفيهي أو التثقيفي أو غيرهما نحو إثراء و/ أو تخصيب سلة الحلول والمقترحات التي من شأنها أن تخدم قضايا الشأن العام مادامت تمول من المال العمومي، فضلا عما تجسده كواحدة من أدوات التعبير عن هويتنا وقيمنا وتعدد ثقافتنا وتنوع تعبيراتنا، مع استحضار دورها وأهميتها خصوصا في هذه الظرفية الوبائية التي تستأثر باهتمام كل غيور على الوطن بالمزيد من التعبئة والإلتحام والتراص الوطني كأمة قوية قادرة على الخروج من نفق الأزمة بأقل الخسائر المادية والمعنوية.
واعتبارا لاحتضان هذه الموهبة الواعدة كآلية من آليات صقل المواهب الصاعدة في أفق بلوغ المرامي السامية لما وراء هذا الصقل وهذا التأطير لهكذا مواهب شريطة توظيفها بالشكل الأمثل بما يخدم الفعل الإبداعي خاصة ومنظومة القيم عامة. فإن عكس كل ذلك، عاش المتلقي صدمة فكرية اصطدمت بصخرة استغلال غير موفق لموهبة بريئة تؤدي دورا أكبر من عمرها ومن مستوى تفكيرها كطفلة، بل ويتم عبرها إرسال خطابات وسلوكات سلبية لا تستقيم وفلسفة الفعل الإبداعي الهادف والمُهـدّف، وهي بذلك تقدم نموذجا سلبيا للناشئة المغربية المتابِعة لها، بحيث قد تشكل نموذجا للتقليد من طرف أقرانها، علما بأن هذه الشريحة المجتمعية تتميز باعتماد التقليد كقناة من قنوات التطبع الاجتماعي.

طبعا نحن مع تشجيع المنتوج المغربي الفني إنتاجاً وأداءا ومشاهدةً، بل ونشدد على ذلك، كما اننا لسنا ضد إشراك مختلف الشرائح المجتمعية في كل التعبيرات الإبداعية أيا كان لونها أو مجالها أو فئاتها او انتماءاتها، لكن شريطة استحضار المرامي التي تتغياها فلسفة التأطير الفني بمختلف تلويناته سواء عبر الإعلام العمومي أو غيره، وفق قالب سوسيوحقوقي وتربوي يحترم ذكاء المتلقي دون تحقير أو تبخيس، تُـقدس فيه منظومة القيم في شموليتها.

لذا نتمنى من صناع المشهد الإعلامي العمومي العمل على وقف هذه الرٍدة التربوية درءا لكل مساس بتوجهات الضبط والانضباط الاجتماعيين بمفهومهما السوسيولوجي، إسهاما في تحصين وتمنيع بنية القيم المجتمعية عامة، ونأيا بالطفولة عن كل استغلال أولا ودائما.

* دكتور باحث

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. حمزة

    حقيقة لا يمكن الانزياح عليها برنامج لا يخدم الطفولة بما ننتظره من الاعلام المغربي

اترك تعليق